د.1. المياه السطحية في السودان ومصر : معجزة النيل
تمتد شمال السودان وفي مصر صحراء قاحلة يخترقها حادث جغرافي فريد من نوعه، كان إطار بزوغ إحدى أعرق الحضارات العالمية، ويتمثل في نهر النيل الذي ترتكز حوله الفلاحات الغنية والسكن الكثيف. هذا النهر يعتبر عطاء يسميه الفلاحون "بحرا" وتم تأليهه من طرف الحضارات القديمة، يمثل في نفس الوقت الخشية عندما يزيد الفيض عن مستواه العادي، والأمل لأنه سنويا يحيى الأراضي الممتدة ( بوزنسون، 1975).
يمثل النيل الأبيض الصبيب القاعدي بسبب انتظامه النسبي، لكن نصيبه متواضع على المستوى السنوي ( أقل من ثلث الصبيب السنوي) وهو يتعرض لتبخر الكثير من مياهه في منطقة السدود.
أما النيل الأزرق والعطبرة فهما المسؤولان الأساسيان عن فيض النيل السنوي وعن امتداد الرقعة الزراعية. ويرتفع صبيب النيل الأزرق ليصل ما يقترب من 6000 م 3/ ث في نهاية الصيف.
والتبخر في الصحراء مسؤول عن تقليص القدر الإجمالي للصبيب حيث لا يصل إلى البحر سوى ثلث الموارد.
كما أن هذا المورد الهام يتسم بعدم الانتظام من سنة إلى أخرى ( براهيم، 1987). وبسبب توالي سنوات الخصاص، وسنوات الفيض المفرط، تم التفكير في تجهيز الحوض بشكل يضمن الحصول على المياه الكافية، دون حدوث خسائر.
وتوالت التجهيزات منذ القديم إلى حين بناء السد العالي الذي يهدف إلى التخزين المستديم لمقاومة سنوات جفاف متوالية. سعة التخزين تصل إلى 120 كم3 مع إنتاج 10 مليار كيلواط / ساعة من الكهرباء. كما تم الاتفاق على إنشاء قنوات تحويل في العالية لضمان استمرار تدفق المياه. وتقف المشاكل السياسية والأمنية دون إتمام هذه المشاريع ( ناف وماتسون، 1984).
ورغم مختلف هذه المشاريع تشكو مصر من نقص في المياه إذا اعتبرنا نموها السكاني واتساع حواضرها. والعجز المائي يعتبر سببا أساسيا يحد من إمكانيات التوسع الفلاحي والاقتصادي.
د. 2 - المياه السطحية في الصحراء السورية - العراقية : مياه دجلة والفرات .
الصحراء السورية - العراقية ذات مناخ قاري، تشرف عليها جهة الشمال والشمال الشرقي جبال تكسوها الثلوج، بينما جل المجال السوري - العراقي يوجد في منطقة حيث الأمطار تقل عن 300 مم، وجل هذه الموارد تتبخر بعد سيل قصير. ولذا فجل الموارد المائية قادمة من خارج الأرض العربية. فخمسون في المائة من إيراد دجلة والفرات من تركيا و 30 % من إيران ( المنظمة العربية للتنمية الزراعية 1981).
تنطلق دجلة من الطوروس الشرقي وتخترق أولا أراضي مغذية تمثل 55 % من حوضها، جلها في جبال تركي وإيران وتلال شمال العراق. ثم يتلقى النهر روافد هامة قادمة من إيران. وارتفاع الحرارة والتبخر في السهل العراقي، سبب في تلميح المياه التدريجي، إلى حين الالتقاء بنهر الكارون حيث تصبح الملوحة معتدلة من جديد. وقد أقيمت المشاريع العديدة على دجلة وروافدها من أجل تأمين المياه وتخزينها، وللوقاية من الفيض. وسد الموصل الذي أقيم سنة 1986 بسعة 13 كم3 يسمح بالسيطرة على موارد العالية التركية وتنظيم الجريان، كما يضمن صبيب 32 كم3 سنويا. وشيدت سدود أخرى متعددة على روافد دجلة، رفعت المقدار المائي المضمون وسط العراق إلى حوالي 40 كم3 ( الكسان،1991).
أما الفرات فهو قادم من هضبة الأناضول بوادر عام يصل إلى حوالي 30 كم 3. أنشئت عليه سدود تركية حديثة، أهمها سد أتاتورك، كان لها صدى تخفيض الوارد المائي إلى سوريا ( انخفاض الوارد عند مدخل سوريا إلى 13 كم 3). أما سد الفرات السوري فهو يسمح بري 150.000 هكتار وينتج 2.5 مليار كلواط / ساعة. وفي العراق أقيمت العديد من المشاريع على الفرات من أهمها سد الحبانية الذي يملأ منخفضا بسعة 3.3 كم3 ( المنظمة العربية للتنمية الزرعية، 1981).
والحاجات السورية - العراقية من مياه الفرات ترتفع إلى 24 كم3 ، بينما لم يبق يصل إلى البلدين سوى 13 كم3 . وهذا يطرح إشكال اقتسام الثروة المائية بين الدول الثلاث بحدة كبيرة ( خلفية ، 1991 ) .
1 . 2 - الموارد الجوفية
نصيبها مرتفع في الوطن العربي ، خاصة إذا اعتبرنا جفاف المناخ وأهمية التبخر. المياه الجوفية مقدارها حوالي 42 كم3 وتساوي 15 من مجموع الموارد كما يتوفر الوطن العربي على مياه جوفية موروثة أي غير متجدد ، تمثل رصيدا ضخما في الصحراء الكبرى وصحراء الجزيرة العربية ( خوري والدروبي ، 1990 ) .
وينقسم الوطن العربي إلى عدة أحواض هدروجيولوجية :
أ - شبه الجزيرة العربية :
تتكون شبه الجزيرة من درع قديم غربا ، صخوره ضعيفة النفاذية ، يعتبر فقيرا من المياه الجوفية وإن كان مجال تغذية هام ، ومن حوض رسوبي ممتد حتى جبال عمان وسلاسل إيران شرقا غني بالطبقات الحاملة للماء .
وتنحني طبقات هذا الحوض نحو سواحل الخليج بسمك يتعدى 5000 م ، ويتألف من طبقات جبرية ورملية . وتتدفق عن هذه الطبقات بعض العيون الارتوازية .بعض الفرشات موروثة بينما البعض الآخر متجدد التغذية . وتستعمل هذه المياه في عديد من الأحواض لأغراض زراعية أو لتغذية . وتستعمل هذه المياه في عديد من الأحواض لأغراض زراعية أو لتغذية المدن بالماء الشروب ( خوري والدروبي ، 1990 ) .
ب - الشرق الأدنى :
جبال الشرق الأدنى مجال تغذية الهلال الخصيب بالمياه الجوفية التي تعتبر أساس بزوغ حضارات راقية ، وذلك لأن منابع هذه المياه تغذي مباشرة المدن والقطاعات الزراعية ، وتمثل منطلق أهم أنهار المنطقة كالليطاني والعاصي والأردن .
تتلقى سلسلة لبنان ودمشق أمطار هامة وثلوجا تنزل على صخور كلسية راشحة . وهذا ما يفسر غنى الخزانات الباطنية صبي الينابيع الكبرى ( الحكيم 1982 ) مثل نبع بردى ، وجعيطة وانطلياس ، والعين الزرقاء. وتتضمن هضبة فلسطين طبقة مائية تنحني نحو الغرب تجاه الساحل إلا أن كثرة المضخات الإسرائيلية تستنزف حاليا هذه المياه ( خليفة ، 1991 ).
ج- المياه الجوفية في سهول العراق :
تركيب العراق شبيه بحوض تحيط به حواش مغذية وهذا ما يجعل منه وضعا ملائما لتخزين المياه الباطنية ، وتصدر عدة عيون على هوامش هذا السهل . بينما في أراضي ما بين النهرين ، اقتراب الفرشة المائية من السطح أدى إلى تعرضها للتبخر وبالتالي إلى ارتفاع درجة ملوحتها . لكن حاليا ، وما دامت المياه السطحية غزيرة، فإنه لا يستفاد إلا بقسط محدود من المياه الجوفية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق